يعتبر جون مينارد كينز أحد أكبر المفكريين الاقتصاديين في العالم, و أحد أكبر الشخصيات المؤثرة في الاقتصاد العالمي خلال القرن ال 20. وقد شرح معظم أفكاره الاقتصادية في كتابه "النظرية العامة للتوظيف و الفائدة و النقد", حيث اختلف مع المدرسة الكلاسيكية على مستوى عدة نقاط, وهو ما دفعه إلى تأسيس فرع مهم, و ربما الأهم, من علم الاقتصاد, سمي بالاقتصاد الكلي أو المكرو اقتصاد.
فقد عمل كينز كمدير للبنك المركزي البريطاني, وكان من بين الشخصيات النافذة التي رسمت و صممت شكل و وظيفة أهم المؤسسات المالية الدولية و على رأسها صندوق النقد و البنك الدوليين خلال مؤتمر بريتون وودز, حيث دعى إلى إنشاء عملة دولية سميت "البانكور" إضافة إلى مقاصة دولية؛ كما عملت معظم الدول الغربية بأفكار كينز الاقتصادية خاصة بعد الكساد العظيم سنة 1929.
اعتبر كينز أن النظرية الاقتصادية الكلاسيكية القائمة على الحرية الاقتصادية الكاملة دون تدخل الدولة في الإقتصاد, ما دامت "اليد الخفية" حسب آدم سميث تتدخل باستمرار في الأسواق مما يجعلها ( الأسواق) تنظم نفسها بنفسها, مجرد حالة خاصة تتعلق أكثر بالظروف الاقتصادية التي عرفتها أوروبا خلال القرن 19.
كما اختلف كينز مع الكلاسيكيين, عندما اعتبر أن الطلب هو المحرك الرئيسي للاقتصاد, عكس تصور الكلاسيكيين الذي يقول, حسب نظرية ساي, أن العرض دائما يخلق الطلب في سوق السلع وسوق الشغل, أي أن كل سلعة ينتجها المنتج ستجد المشتري و كل رب عمل يعرض شغلا ما سيجد طالب العمل بالأجر الذي يقبله رب العمل, ما دامت الأسواق حرة و مثالية.
فالميكانيزمات الاقتصادية الكلاسيكية و النيوكلاسيكية لتوازن الأسواق, لا تحقق توازن العمالة أو التوظيف الكامل لعوامل الإنتاج, و إنما مجرد توازن تشغيل ناقص.
لذلك, دعى كينز الحكومات إلى التدخل في الاقتصاد كلما دعت الضرورة, خاصة في وقت الأزمات, من أجل تحقيق التوازن العام المتمثل في التوظيف الكامل, من خلال الإنفاق الحكومي أو تمويل العجز.
و قد اعتبرت أفكاره الاقتصادية كرد على النظريات الكلاسيكية الماركسية و النيوكلاسيكية, حتى أنها سميت بالثورة الكينزية.
تم انتقاد الأفكار الكينزية من طرف علماء اقتصاد آخرين, ك ميلتون فريدمان فريدريش هايك جوزيف شومبيتر و بول سامويلسون و التيار الماركسي الذي اعتبر أن النموذج الكينزي لا يعمل في المدى البعيد.
خصوصيات التحليل الكينزي
الاقتصاد الكلي إطار للتحليل
اعتمد كينز على مقاربة كلية للمجاميع الاقتصادية لتحليل دواليب الآلة الاقتصادية, من خلال دراسة و تحليل الطلب الكلي العرض الكلي الادخار الكلي الاستثمار الكلي التوظيف البطالة التضخم الدخل القومي إلخ, لذلك كان الإطار العام للتحليل الكينزي إطار يخص الاقتصاد الوطني ككل.
الطلب الكلي المحرك الرئيسي للنشاط الاقتصادي
كما تمت الإشارة إليه سابقا, اعتبر كينز أن الطلب الكلي أو الإجمالي هو المحرك و المحفز الأساسي للاقتصاد, و الذي يمكنه أن يؤثر على التوظيف كلما تغير. لذلك العرض لا يخلق الطلب الخاص به كما ادعت المدرسة الكلاسيكية, لكون جزء من الدخل يتم ادخاره عوض إنفاقه.
النظرية النقدية : النقود نشطة و ليست محايدة
عكس الفكر الكلاسيكي و حتى النيوكلاسيكي الذي اعتبر أن النقود محايدة, لكونها تلعب دور الوساطة فقط, لتبادل السلع و الخدمات, و بالتالي النقود لا تؤثر على الاقتصاد الحقيقي و إنما تحدد المستوى العام للأسعار فقط حسب معادلة فيشر للنظرية الكمية للنقود.
اعتبر كينز أن النقود نشطة و ليست محايدة كما اعتقدت المدرسة الكلاسيكية, و تتميز (النقود) بوظائف خاصة بها كطلب النقود من أجل المضاربة أو تفضيل السيولة عموما, و هو ما اعتبر بمثابة نظرية حديثة للنقود.
فالرفع من الكتلة النقدية مثلا, يؤدي إلى انخفاض معدل الفائدة, مما يدفع الفاعل الاقتصادي إلى الاستثمار في الاقتصاد الحقيقي عوض الادخار, مما يساهم في رفع الإنتاج و بالتالي التخفيض من معدل البطالة و الزيادة في حجم الشغل .
الدولة تلعب دورا نشطا في الاقتصاد
دعى كينز إلى تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي, و ذلك من أجل الوصول إلى وضعية التشغيل الكامل عبر محاربة البطالة, من خلال الحث و التشجيع على الاستهلاك و الاستثمار عبر الإنفاق الحكومي و تمويل العجز, بالإضافة إلى تخفيض معدل الفائدة عبر الزيادة في حجم الكتلة النقدية. لذلك, كان كينز مؤيد للسياسات الضريبية و المالية للدول مع وجود سوق حر مدارة, أي رأسمالية متحكم فيها.
حجم الإنتاج يحدد حجم الشغل
عكس ما تعتقده المدرسة الكلاسيكية بأن مستوي الأجور يحدد حجم العمل؛ حجم الإنتاج هو من ما يحدد حجم العمل, لذلك توجد بطالة لا إرادية أو غير طوعية حسب كينز عكس الكلاسيكيين الذين اعتبروا أن البطالة دائما طوعية.
توقعات الطلب الفعلي تحدد حجم الاستثمارات في المستقبل
اعتبر كينز أن قرار الاستثمار مستقل عن قرار الادخار, لكون الاستثمار مرتبط أكثر بالتوقعات المستقبلية للطلب الفعلي, أي بمقارنة معدل الفائدة بالفاعلية أو الكفاية الحدية لرأس المال. عكس ما ذهب إليه الكلاسيكيون حينما قالوا بأن معدل الفائدة يؤدي إلى توازن و مساواة للعرض و الطلب الفعلي لرؤوس الأموال.
تعليقات
إرسال تعليق